20 سنة من العطاء والتنمية الشاملة: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.. مسيرة تحول عميق في ربوع المملكة
على امتداد عقدين كاملين، ترسخت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (INDH) كركيزة أساسية في صرح التنمية الشاملة والمستدامة بالمملكة المغربية. منذ انطلاقتها في عام 2005، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، لم تكن المبادرة مجرد برنامج حكومي، بل ورش ملكي تحول إلى دينامية وطنية شاملة لامست حياة الملايين من المغاربة في مختلف ربوع الوطن، وغيرت ملامح العديد من المناطق، وحققت إنجازات نوعية تجسدت في أرقام ومعطيات متنوعة، وثقتها التقارير الرسمية ووثقتها عدسات الصحافة الوطنية والدولية.
في هذه الذكرى السنوية العشرين، يصبح من الأهمية بمكان استحضار حجم الجهود المبذولة، وعمق الرؤية الاستراتيجية التي أطرت هذه المبادرة الرائدة، والتأثيرات الإيجابية الملموسة التي أحدثتها في حياة الأفراد والجماعات.
المراحل الاستراتيجية للمبادرة: استجابة متجددة للتحديات التنموية
لم تسر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على وتيرة واحدة طيلة عقدين من الزمن، بل عرفت تطورًا استراتيجيًا عبر ثلاث مراحل أساسية، استجابت في كل منها لأولويات وحاجيات المرحلة، وعمقت من تأثيرها ليشمل جوانب أوسع من التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية.
المرحلة الأولى (2005-2010): وضع الأسس ومكافحة الإقصاء الاجتماعي
شكلت المرحلة الأولى الانطلاقة القوية للمبادرة، حيث ركزت بشكل أساسي على معالجة مظاهر الفقر والإقصاء الاجتماعي وهشاشة الأوضاع في المناطق الأكثر تضررًا خصوصا القروية. تجسدت هذه الأهداف في إطلاق مشاريع تروم تحسين الولوج إلى الخدمات الأساسية كالماء الصالح للشرب والصرف الصحي والكهرباء، وبناء وتجهيز البنيات التحتية الاجتماعية من مدارس ومستوصفات ومراكز اجتماعية.
المعطيات الصحفية: أشارت العديد من التقارير الصحفية في تلك الفترة إلى ارتفاع نسبة الولوج إلى الماء الصالح للشرب بنسبة تقدر بـ 15% في المناطق القروية المستهدفة من خلال: الربط الفريدي، حفر الآبار و اقتناء الصهاريج. بالإضافة إلى انخفاض معدلات الأمية بنحو 10% بفضل برامج اقتناء حافلات النقل المدرسي تأهيل و ترميم المدارس القروية و تجهيزها. كما تم الإعلان عن بناء وتجهيز أكثر من 500 مركز صحي في مختلف أنحاء المملكة، ساهمت في تقريب الخدمات الصحية من المواطنين.
المرحلة الثانية (2011-2018): تعزيز التقارب المجالي والاستهداف الدقيق للفئات الهشة
انتقلت المبادرة في مرحلتها الثانية إلى تعميق تدخلاتها من خلال التركيز على تحقيق العدالة المجالية وتقليص الفوارق بين المناطق، مع إيلاء اهتمام خاص للفئات الهشة التي تعاني من أوضاع صعبة. تم إطلاق برامج تستهدف تحسين الدخل والاندماج الاقتصادي للشباب والنساء، دعم الأشخاص في وضعية إعاقة والأطفال في وضعيات صعبة.
المعطيات الصحفية: كشفت تقارير إخبارية عن تمويل أكثر من 10 آلاف مشروع مدر للدخل استفاد منها حوالي 30 ألف شخص، أغلبهم من الشباب والنساء. كما تم الإعلان عن إدماج أكثر من 5 آلاف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة في سوق العمل أو في برامج التكوين المهني بفضل الدعم المقدم من المبادرة. وأشارت تقارير أخرى إلى تحسن مؤشرات التنمية البشرية في العديد من الأقاليم المهمشة التي استفادت بشكل مكثف من برامج المرحلة الثانية.
المرحلة الثالثة (2019-الحاضر): الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة
تتميز المرحلة الثالثة من المبادرة، التي انطلقت تحت شعار “تحسين ظروف عيش الأجيال القادمة”، بتوجه استراتيجي يركز على الاستثمار في الرأسمال البشري، خاصة في مجالات الصحة والتعليم (كالتعليم الأولي) وتنمية الطفولة المبكرة. كما تولي هذه المرحلة اهتمامًا خاصًا بدعم الشباب وتعزيز إدماجهم الاقتصادي، ومواصلة الجهود الرامية إلى معالجة أوجه القصور في البنية التحتية الأساسية والخدمات الاجتماعية.
المعطيات الصحفية: أفادت تقارير حديثة عن إحداث أكثر من 1500 وحدة للتعليم الأولي في المناطق القروية ، مما ساهم في توسيع قاعدة المستفيدين من هذا النوع من التعليم. كما تم الإعلان عن إطلاق برامج مبتكرة لدعم ريادة الأعمال لدى الشباب و منصات للشباب للتوجيه و التكوين، نتج عنها تمويل مئات المشاريع الناشئة وتوفير آلاف فرص العمل. وفي المجال الصحي، أشارت التقارير إلى تجهيز العديد من المراكز الصحية بالمعدات الحديثة وتوفير الأطر الطبية لضمان جودة الخدمات.
إنجازات نوعية في مختلف ربوع المملكة: قصص نجاح ترويها الأرقام
لقد تجسدت الأهداف الطموحة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إنجازات ملموسة على أرض الواقع، حيث شهدت مختلف أقاليم وعمالات المملكة تحولات إيجابية بفضل المشاريع والبرامج التي تم تنفيذها في إطارها.
- إقليم الحسيمة: نموذج للتنمية المندمجة
أكدت تقارير صحفية متعددة على أن إقليم الحسيمة استفاد بشكل كبير من مشاريع المبادرة، حيث تم استثمار أكثر من 800 مليون درهم في مشاريع تنموية شملت قطاعات حيوية مثل فك العزلة عن المناطق القروية، ودعم الصيد البحري التقليدي، وتطوير السياحة الإيكولوجية، وتعزيز البنية التحتية التعليمية والصحية. وقد ساهمت هذه الاستثمارات في تحسين مؤشرات التنمية البشرية بالإقليم بشكل ملحوظ.
- جهة بني ملال-خنيفرة: ريادة في دعم الشباب والتشغيل
برزت جهة بني ملال-خنيفرة كنموذج رائد في الاستفادة من برامج المبادرة المتعلقة بدعم الشباب والتشغيل الذاتي. حيث تم تمويل أكثر من 500 مشروع صغير ومتوسط لفائدة شباب الجهة، مما ساهم في خلق أكثر من 2000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. كما تم دعم العديد من مراكز التكوين ومنصات الشباب لتطوير قدرات الشباب وتأهيلهم لسوق العمل.
- إقليم ورزازات: تثمين التراث وتحقيق التنمية المستدامة
استطاع إقليم ورزازات، بفضل دعم المبادرة، تحقيق قفزة نوعية في تثمين تراثه الثقافي والطبيعي واستغلاله في تحقيق التنمية المستدامة. تم ترميم العديد من القصور والقصبات التاريخية وتحويلها إلى وجهات سياحية جاذبة، كما تم دعم الصناعة التقليدية المحلية وتسويق منتجاتها على نطاق واسع، مما انعكس إيجابًا على الدخل المحلي وخلق فرص عمل جديدة.
- عمالة الدار البيضاء: جهود مكثفة لمكافحة الهشاشة والإدماج الاجتماعي
شكلت عمالة الدار البيضاء، نظرًا لكثافتها السكانية وتحدياتها الاجتماعية، محورًا هامًا لتدخلات المبادرة. أشارت تقارير إلى تقديم الدعم لأكثر من 15 ألف أسرة في وضعية هشاشة من خلال البرامج الاجتماعية والصحية. كما تم إحداث العديد من المراكز الاجتماعية والثقافية في الأحياء لتعزيز التماسك الاجتماعي وتوفير فضاءات للأنشطة الترفيهية والتثقيفية.
- إقليم طنجة-أصيلة: الاستثمار في الرأسمال البشري للأجيال الصاعدة
حظي إقليم طنجة-أصيلة باهتمام خاص في مجال الاستثمار في الرأسمال البشري، حيث تم بناء وتجهيز عشرات الوحدات للتعليم الأولي في المناطق التي كانت تعاني من نقص في هذه البنيات. كما تم إطلاق برامج لدعم التمدرس ومكافحة الهدر المدرسي، مما ساهم في تحسين مؤشرات التعليم بالإقليم.
- جهة سوس-ماسة: تمكين المرأة القروية وتعزيز قدراتها الاقتصادية
ركزت تدخلات المبادرة في جهة سوس-ماسة بشكل كبير على تمكين المرأة القروية وتعزيز قدراتها الاقتصادية. أشارت تقارير إلى تمويل أكثر من 600 مشروع مدر للدخل لفائدة تعاونيات وجمعيات نسائية تعمل في مجالات متنوعة مثل الصناعة التقليدية والزراعة وتثمين المنتجات المحلية. وقد ساهمت هذه المشاريع في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة القروية وأسرتها.
- إقليم الراشيدية: جهود متواصلة لفك العزلة وتوفير الخدمات الأساسية
كان للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية دور مهم في فك العزلة عن المناطق النائية وتوفير الخدمات الأساسية أولوية قصوى لتدخلاتها في إقليم الراشيدية. تم بناء وتعبيد عشرات الكيلومترات من الطرق والمسالك القروية لربط الدواوير المعزولة بمراكز الخدمات. كما تم إنجاز العديد من المشاريع لتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء للسكان الذين كانوا يعانون من نقص حاد في هذه المواد الحيوية.
- عمالة مراكش: دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
ساهمت المبادرة في عمالة مراكش في دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من خلال تمويل العديد من التعاونيات والجمعيات التي تعمل في مجالات متنوعة مثل الحرف اليدوية والسياحة المستدامة والخدمات الاجتماعية. وقد ساهم هذا الدعم في خلق فرص عمل مستدامة وتحسين الدخل للفئات المستهدفة.
- إقليم بني ملال: تعزيز البنية التحتية الصحية وتقريب الخدمات من المواطنين
شهد إقليم بني ملال تحسنًا ملحوظًا في البنية التحتية الصحية بفضل دعم المبادرة. تم بناء وتجهيز العديد من المراكز الصحية والمستوصفات في مختلف أنحاء الإقليم، مما ساهم في تقريب الخدمات الصحية من المواطنين وتحسين جودتها. كما تم إطلاق حملات للتوعية الصحية للوقاية من الأمراض وتعزيز السلوكيات الصحية السليمة.
- إقليم الناظور: دعم التنمية البشرية في المناطق الحدودية
حظي إقليم الناظور، كمنطقة حدودية، باهتمام خاص من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. تم تنفيذ العديد من المشاريع التي تهدف إلى تعزيز التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية في الإقليم، شملت دعم الشباب والتشغيل، وتحسين البنية التحتية التعليمية والصحية، ودعم الأنشطة المدرة للدخل. وقد ساهمت هذه الجهود في تحسين ظروف عيش السكان في المنطقة.
تراجعت نسبة الأمية على الصعيد الوطني ما يعكس نجاعة برامج النقل المدرسي ودعم الداخليات، المبادرة الملكية مليون، دعم التعليم الأولي، و دعم الانفتاح عند الأطفال و الشباب (البرنامج الرابع).
نقصت نسبة الأمية في صفوف التلميذات ب 9,3% في ضرف 10 سنوات حيت ساهمت دور الطالبة و الطالبة (بناء و تجهيز و منح التسيير) و توفير النقل المدرسي المنجزة في إطارة المبادرة في رفع نسبة التمدرس عموما و في صفوف المتمدرسات خصوصا.
ساهمت مبادرة التنمية البشرية على تعزيز التماسك الاجتماعي وضمان كرامة المواطنين من خلال:
- استهداف دقيق ومباشر للفئات الأكثر هشاشة بالإقليم .
- تشخيص ميداني واقعي للاحتياجات.
- تعبئة الشركاء المحليين والمؤسسات الاجتماعية والجمعيات المتخصصة.
- توفير البنيات الضرورية (مثل مراكز الإيواء والاستقبال) .
تقديم خدمات ميدانية إنسانية، دعم طبي، اجتماعي والنفسي
ويمثل هذا التوجه تحولاً نوعيًا في طريقة تدبير قضايا الهشاشة، حيث انتقل من منطق المساعدة الظرفية إلى مقاربة الإدماج والاستدامة، عبر تمكين المستفيدين من وسائل الاندماج السوسيو-اقتصادي وتحقيق الاستقلالية.
- إنجاز مشاريع لفائدة المرأة و الفتاة.
- إنجاز مشاريع لفائدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
- تمويل مشاريع لفائدة السجناء السابقين و ادماجهم اقتصاديا و اجتماعيا.
تحديات وآفاق مستقبلية: نحو تعزيز الاستدامة والابتكار
على الرغم من الإنجازات الهامة التي حققتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على مدى عقدين من الزمن، لا تزال هناك تحديات قائمة تتطلب المزيد من الجهود والابتكار. من بين هذه التحديات، ضمان استدامة المشاريع المنجزة، وتعزيز الحكامة المحلية والمشاركة المواطنة، وتكييف البرامج مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة.
في هذا السياق، يتطلع المغرب إلى المستقبل بعزم على مواصلة مسيرة التنمية البشرية الشاملة والمستدامة، مع تعزيز دور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كأداة فعالة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبناء مغرب أكثر عدالة وازدهارًا للأجيال القادمة.
ففي البرنامج الأول: تدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية
- تسريع وتيرة التنمية المحلية من خلال تحسين الولوج إلى الخدمات الأساسية (الماء، الكهرباء، الطرق، الصحة، التعليم).
- الحد من الفوارق المجالية والاجتماعية.
- إشراك الساكنة المحلية في تحديد أولويات المشاريع وتتبع إنجازها لضمان الاستدامة.
- وضع آليات للتتبع التشاركي تُمكن من تقييم الأثر الفعلي على مستوى العيش.
البرنامج الثاني: مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة
- تعبئة مختلف المتدخلين (الجمعيات، المؤسسات العمومية، الفاعلين المحليين) لضمان تكفل شامل بالأشخاص في وضعية هشاشة.
- توفير الدعم الاجتماعي، النفسي والاقتصادي للفئات المستهدفة.
- إحداث لجان محلية للدعم الاجتماعي تضم المجتمع المدني والمستفيدين.
- إطلاق مبادرات للتضامن المجتمعي والرعاية التشاركية للفئات الضعيفة.
البرنامج الثالث: تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب
- دعم ريادة الأعمال والابتكار في صفوف الشباب من خلال التكوين، المواكبة والتمويل.
- تعزيز خلق فرص الشغل الذاتي والأنشطة المدرة للدخل.
- إنخراط الفاعلين في قطاع التشغيل في احتضان الشباب المقاولين و تمويلهم.
- تنظيم مسابقات للأفكار ودورات تدريبية لتطوير المهارات المقاولاتية.
لبرنامج الرابع: الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة
- الاستثمار في الطفولة المبكرة والتغذية والتعليم لضمان تنمية بشرية شاملة ومستدامة.
- تحسين ظروف تعلم الأطفال وتوفير بيئة صحية داعمة لنموهم.
- إطلاق حملات تواصلية توعوية حول صحة و تعليم الأطفال.
- التنسيق بين قطاعات الصحة والتعليم والمجتمع المدني لضمان تدخل متكامل وفعال.
إن الاحتفال بالذكرى السنوية العشرين للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليس مجرد استعراض للإنجازات، بل هو أيضًا فرصة للتأمل في المسار الذي تم قطعه، واستخلاص الدروس والعبر، واستشراف الآفاق المستقبلية، مع التأكيد على أن التنمية البشرية تظل ورشة مفتوحة تتطلب تضافر جهود الجميع من أجل تحقيق تطلعات الشعب المغربي نحو غد أفضل.