المخطط التفصيلي للمقال
مقدمة
أولت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (INDH) اهتمامًا بالغًا بمجال البنيات التحتية ، باعتباره شرطًا أساسيًا لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة عبر برامجها منذ 2005، وذلك لمواجهة التفاوتات الاجتماعية والمجالية، ومحاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي، لا سيما في الوسط القروي والمناطق الهشة.
توزعت تدخلات المبادرة في هذا المجال على ثلاث مراحل رئيسية، تميزت كل منها بتوجهات وأهداف خاصة، سنستعرضها تباعًا.
المرحلة الأولى (2005 – 2010): البدايات وتركيز على البنية التحتية الأساسية
الأهداف:
عند انطلاق المبادرة سنة 2005، كان المغرب لا يزال يعاني من ضعف كبير على مستوى البنيات التحتية، خصوصًا في العالم القروي والمناطق المهمشة. لذلك، ركزت المرحلة الأولى على:
توفير الحد الأدنى من التجهيزات الأساسية.
تحسين الولوج إلى الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والطرق.
تدخلات في مجال البنية التحتية:
ربط الدواوير بشبكات الماء والكهرباء
أنجزت عدة مشاريع لربط الأسر القروية بشبكات الكهرباء والماء الصالح للشرب من خلال: توسير شبكار الربط و التوزيع الفردي للماء و الكهرباء، حفر وتجهيز الآبار، توزيع لوحات الطاقة الشمسية، اقتناء صهاريج مائية، تهيئة الساقيات و العيون و المطفيات، …استفادت منها مئات الآلاف من الأسر في قرى نائية.
فتح وتهيئة المسالك الطرقية
تم فتح وتوسيع عدة طرق ومسالك قروية لتحسين الربط بين الدواوير والمراكز الحضرية والأسواق والمرافق الاجتماعية و الصحية. مما ساهم في تقليص نسب العزلة وتسهيل تنقل السكان.
إصلاح البنيات التحتية للمدارس والمراكز الصحية
بناء وتجهيز وحدات مدرسية جديدة أو توسيعها.
تهيئة المراكز الصحية وتوفير وسائل النقل الطبي خاصة في المناطق الجبلية.
- بناء مساكن وظيفية للأطر الصحية و التعليمية في المناطق القروية و الجبلية.
النتائج:
تحسن ملموس في ظروف عيش الساكنة.
انخفاض معدلات الهدر المدرسي في بعض المناطق.
تعزيز الولوج للخدمات الأساسية.
المرحلة الثانية (2011 – 2018): تعميق البعد التنموي والاندماجي
التوجه العام:
ركزت المرحلة الثانية على تعزيز المكتسبات، مع إدخال بعد العدالة المجالية وتكامل المشاريع والاهتمام بجودة البنية التحتية وليس فقط توفيرها.
تدخلات هيكلية في البنية التحتية:
- مشاريع مندمجة
تنفيذ مشاريع تدمج الطرق، والماء، والكهرباء، والصحة، والتعليم في إطار رؤية شاملة حسب حاجيات الجماعات الترابية من خلال برامج:
- برنامج التأهيل الترابي (PMAT): التأهيل الترابي ل 3.300 دوار على مستوى 22 إقليم وعمالة
- برنامج محاربة الفقر في الوسط القروي واستهدفت 702 جماعة.
- وبرنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي في الوسط الحضري واستهدفت 532 حي (حي عن كل 20.000 نسمة)
- دعم التنمية الاقتصادية المحلية عبر البنية التحتية
- إنشاء أسواق قروية جديدة، وبنيات لاستقبال التعاونيات والفلاحين.
- تجهيز منصات البيع بالتقسيط وأسواق القرب.
- برنامج الباعة المتجولين الذي هم إنشاء أسواق للقرب في الوسط الحضري والقروي
- الاهتمام بالمناطق الجبلية والصعبة الولوج
- إنشاء وحدات صحية متنقلة وقوافل طبية.
- تعبيد الطرق الجبلية وتوسيعها.
- تجهيز مناطق نائية بمولدات الكهرباء الشمسية.
أمثلة من الميدان:
- مشروع فتح 250 كم من المسالك الطرقية في الأطلس المتوسط.
- كهربة عشرات الدواوير بإقليم طاطا وتافراوت عبر الطاقة الشمسية.
النتائج:
- تقليص الفوارق بين المناطق الحضرية والقروية.
- بروز مشاريع فلاحية وسياحية نتيجة تحسين البنية التحتية.
- دعم قابلية المناطق القروية لجذب الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة.
المرحلة الثالثة (2019 – 2023): الرؤية الاستراتيجية ولاتقائية للبرامج
أهداف المرحلة الثالثة:
أطلق صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله المرحلة الثالثة في 2018، وبدأ تنفيذها الفعلي سنة 2019، وتركز على:
- تعزيز رأس المال البشري.
- دعم الإدماج الاقتصادي للشباب.
- الحد من الفوارق المجالية والاجتماعية، عبر تقوية البنية التحتية والخدمات الأساسية.
تدخلات رئيسية في البنية التحتية:
- برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية في العالم القروي (PRDTS/FDR/PDRZM)
ويعد من أكبر البرامج في المغرب حاليًا حيث رصدت له ميزانية تفوق 50 مليار درهم. ويهدف إلى تحسين الربط بالطرق، المدارس، المراكز الصحية، وربط العالم القروي بالماء والكهرباء.
- منصات الشباب ودور المواطن
- تجهيز بنايات مخصصة لتكوين الشباب، مواكبة المشاريع، والتشغيل الذاتي.
- مراكز مجهزة بأحدث الوسائل الرقمية، ومفتوحة للشباب في المناطق النائية.
- مقاربة التقائية مع برامج وزارية
- تنسيق مع وزارات الصحة، التجهيز، التعليم، والفلاحة لتنفيذ مشاريع بنيوية كبرى في القرى.
- البنية التحتية الرقمية
- إدخال الإنترنت للمناطق القروية المعزولة.
- رقمنة بعض الخدمات الإدارية والتعليمية والصحية.
إنجازات وأرقام:
- آلاف الكيلومترات من الطرق الجديدة أو المعبدة في المناطق القروية.
- بناء أكثر من 100 مركز صحي قروي.
- كهربة وتزويد آلاف الدواوير بالماء.
- تجهيز العشرات من منصات الشباب ودور المواطن.
أثر هذه التدخلات على التنمية المستدامة
- التمكين الاقتصادي
- البنية التحتية سهلت على الفلاحين والتعاونيات تسويق منتجاتهم.
- خلقت فرص شغل مباشرة وغير مباشرة.
- تحسين مؤشرات التنمية البشرية
- ارتفاع نسبة التمدرس.
- تحسن في مؤشرات الصحة (موت الحوامل، وفيات الرضع…).
- تراجع نسب الفقر والهشاشة في بعض الأقاليم.
- تعزيز الاستقرار المجالي
- الحد من الهجرة القروية.
- تحسين شروط العيش في المناطق النائية.
الخاتمة
أثبتت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نجاعتها في مجال تنمية البنية التحتية، من خلال استهداف المناطق التي كانت تعاني من عزلة وتهميش كبيرين. عبر مراحلها الثلاث، انتقلت المبادرة من منطق “توفير الأساسيات” إلى “دمج البنية التحتية في رؤية تنموية متكاملة”، وهو ما جعلها اليوم رافعة حقيقية لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة المجالية في المغرب.